حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الغضب، وكان ينصح أصحابه بتجنّب الغضب ومسبباته وآثاره، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـرضي الله عنه ـ أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. فقال: "لا تغضب". وكررها مراراً.
كما يروي الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"دلني على عمل يدخلني الجنة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تغضب ولك الجنة".
ومع تطوّر العلم الحديث، وظهور الطب النفسي، تم اكتشاف الكثير من السلبيات التي تترافق مع الغضب، فرغم أن الغضب يعتبر شكلاً من أشكال السلوك الإنساني الطبيعي، إلا أن الكثير من حالات الغضب كانت سبباً لحدوث العنف، والعنف المبالغ فيه أيضاً؛ لأن الغضب يفقد الإنسان القدرة على التفكير، فيتصرف بطريقة همجية.
ولكن لماذا نغضب؟
عادة ما يحدث الغضب بصورة متُفاوتة ومختلفة بين شخص وآخر. حيث يعتمد هذا الاختلاف في الغضب على عوامل متنوعة، منها: العوامل النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية. كما قد ينتج الغضب من هذه العناصر مجتمعة.
ويتراوح الغضب بين حدود طبيعية، وبين سلوك خارج الإطار المقبول بكل العوامل والمقاييس. ويعتمد أيضاً مقدار العنف والغضب على عدة عوامل أخرى، منها: المواقف التي تؤدي إلى حدوث هذه المشاعر، وكذلك الفروقات الشخصية بين الناس، والعوامل النفسية التي تُرافق عملية الغضب أو العنف وغيرها.
الشخصية الاندفاعية:
من أسوأ الشخصيات التي يمكن أن تغضب، هي الشخصيات الاندفاعية، والتي تتميز بسرعة قابليتها للغضب والانتقام، وهؤلاء يندفعون بشكل متهور، مما يقودهم إلى عنف مُبالغ فيه.
وقد يندم هؤلاء الأشخاص على اندفاعهم ولكن بعد فوات الأوان. وتزخر وسائل الإعلام بالكثير من القصص والحوادث التي كان أبطالها شخصيات حوّلها الغضب إلى مجرمين، قاموا بارتكاب جريمة قتل في لحظة تهوّر واندفاع، ولأسباب بسيطة لا تحتمل كل هذا الاندفاع.
والشخصيات الاندفاعية تتميز أيضاً بردات فعل قاسية على أعمال بسيطة، وربما عايش البعض حالات لآباء مثلاً قاموا باستخدام الضرب المبرح والعنف المبالغ فيه ضد أبناءهم أو زوجاتهم لأخطاء بسيطة وتافهة.
وكثيراً ما تتميز ردّة فعل هؤلاء الناس بالعنف الشديد، وقد تكون هناك بعض التبريرات لانفعالاتهم، ولكن لا ترقى لأن تكون ملائمة لردود أفعالهم المبالغة فيها، حتى أن بعض هؤلاء الأشخاص قد يرتكبون أفعالاً حمقاء، تتصف بالبشاعة. كأن نجد شخصاً يتجاوز بسيارته سيارة أخرى، فيقوم الآخر بملاحقته ومضايقته، وقد يصل الأمر إلى حد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وبعض هذه الحالات البسيطة، تنتهي باستخدام الأعيرة النارية، فقد يقتل هذا الإنسان الشخص الذي أخطأ بحقه حتى وإن كان هذا الخطأ بسيطاً، ولكن بعد أن يهدأ ويعود إلى صوابه، ويُراجع ما قام به، يجد أن ردة فعله كانت مُبالغا بها جداً.
مجتمع غاضب.. مجتمع إجرامي:
الغضب يقود الغاضب لأن يكون عنيفاً لمرات ومرات، ما يجعل منه في النهاية شخصية عدوانية وإجرامية. فالتعوّد على العدوانية والعنف ينتج أشخاصاً عنيفين وعدوانيين. وهذا ينطبق على المجتمع ككل.. فالمجتمع الذي تنتشر فيه صفة الغضب، يصبح مجتمعاً عدوانياً وإجرامي.. ولعل الكثيرين لاحظوا عمليات القتل والعنف المبالغ فيه والتي تحدث في بعض الدول الإفريقية خلال الخلافات القبلية والقومية وغيرها. حيث يصبح القتل مسألة آنية وشبه طبيعية.
ورغم ما قد تُسببه هذه العدوانية والعنف للشخص العنيف، إلا أنه لا يتعظ مما حدث له سابقاً، وربما يُكرر ممارساته العدوانية.
لا قيادة حكيمة مع الغضب:
إن الأشخاص الذين لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم بسبب نوبات الغضب التي تسيطر عليهم، لا يصلح أن يكونوا في مكان مسؤولية، أو في منصب قيادي. إذ إن شخصياتهم تتبدل خلال الغضب، وقد يطلقوا قرارات أو يقوموا بتصرفات حمقاء تسبب الإساءة للعمل والموظفين.
وتصل الأمور بالبعض منهم إلى درجة أن شخصياتهم تتغير تماماً خلال نوبات الغضب هذه، ويتحوّلون فجأة من أشخاص هادئي الطباع، متزني السلوك والحديث، إلى عاصفة تدمّر كل من حولها، ويُحدثون مشاكل إضافية وأزمات كبيرة، حتى وإن كان السبب تافهاً أو بسيطاً، إلا أنهم لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وغضبهم، فيتحوّلون إلى أشخاص خطيرين، لا يستطيع أحد التنبؤ بما يمكن أن يفعلونه. وهذا النوع من الشخصيات لا يصلح للقيادة أو تولي مناصب مهمة، حيث يدمّر في لحظة ما بناه في سنوات، ويؤثر سلباً على من يعملون تحت إدارته.
كيف يغضب الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
رغم أنه كان يحث أصحابه على عدم الغضب، إلا أنه صلى الله عليه وسلم غضب في مواقف عديدة، ولكنها كانت كلها لله عز وجل. ففي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب خادماً له قط، ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يكون لله عز وجل فإن كان لله انتقم له".
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا لله عز وجل، فإن غضب لله تعالى أظهر غضبه للناس تأكيداً في الزجر والنهي عن ما بدر من بعضهم من جرأة على الله عز وجل. وللشيخ أبي إسلام أحمد بن علي كتاب بعنوان (40 موقفاً غضب فيها النبي صلى الله عليه وسلم)، يروي فيها قصصاً وأحداث غضب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فيها، كلها نصرة لله عز وجل غضباً على انتهاك حرمة من محارمه، أو لخطأ أو معصية قام بها أحدهم.
لهذا فإن الغضب سمة وصفة يجب أن نحاربها في أنفسنا، إلا أن تكون نصرة لله ورسوله، أو نصرة لدين الله تعالى.